سورة القمر - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القمر)


        


{وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنَ الْأَنْبَاءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ (4)}
إشارة إلى أن كل ما هو لطف بالعباد قد وجد، فأخبرهم الرسول باقتراب الساعة، وأقام الدليل على صدقه، وإمكان قيام الساعة عقيب دعواه بانشقاق القمر الذي هو آية لأن من يكذب بها لا يصدق بشيء من الآيات فكذبوا بها واتبعوا الأباطيل الذاهبة، وذكروا الأقاويل الكاذبة فذكر لهم أنباء المهلكين بالآيتين تخويفاً لهم، وهذا هو الترتيب الحكمي، ولهذا قال بعد الآيات: {حِكْمَةٌ بالغة} [القمر: 5] أي هذه حكمة بالغة، والأنباء هي الأخبار العظام، ويدلك على صدقه أن في القرآن لم يرد النبأ والأنباء إلا لما له وقع قال: {وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ} [النمل: 22] لأنه كان خبراً عظيماً وقال: {إِن جَاءكُمْ فَاسِقُ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] أي محاربة أو مسالمة وما يشبهه من الأمور العرفية، وإنما يجب التثبت فيما يتعلق به حكم ويترتب عليه أمر ذو بال، وكذلك قال تعالى: {ذلك مِنْ أَنبَاء الغيب نُوحِيهِ إِلَيْكَ} [آل عمران: 44] فكذلك الأنباء هاهنا، وقال تعالى عن موسى: {لَّعَلّى آتِيكُمْ مّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ} [القصص: 29] حيث لم يكن يعلم أنه يظهر له شيء عظيم يصلح أن يقال له: نبأ ولم يقصده، والظاهر أن المراد أنباء المهلكين بسبب التكذيب وقال بعضهم: المراد القرآن، وتقديره جاء فيه الأنباء، وقيل قوله: {جَاءكُمْ مّنَ الأنباء} يتناول جميع ما ورد في القرآن من الزواجر والمواعظ وما ذكرناه أظهر لقوله: {فِيهِ مُزْدَجَرٌ} وفي: {مَا} وجهان:
أحدهما: أنها موصولة أي جاءكم الذي فيه مزدجر ثانيهما: موصوفة تقديره: جاءكم من الأنباء شيء موصوف بأن فيه مزدجر وهذا أظهر والمزدجر فيه وجهان أحدهما ازدجار وثانيهما موضع ازدجار، كالمرتقى، ولفظ المفعول بمعنى المصدر كثير لأن المصدر هو المفعول الحقيقي.


{حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (5)}
وفيه وجوه:
الأول: على قول من قال: {وَلَقَدْ جَاءهُم مّنَ الأنباء} المراد منه القرآن، قال: {حِكْمَةٌ بالغة} بدل كأنه قال: ولقد جاءهم حكمة بالغة ثانيها: أن يكون بدلاً عن ما في قوله: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} الثاني: حكمة بالغة خبر مبتدأ محذوف تقديره هذه حكمة بالغة والإشارة حينئذ تحتمل وجوهاً أحدها: هذا الترتيب الذي في إرسال الرسول وإيضاح الدليل والإنذار بمن مضى من القرون وانقضى حكمة بالغة ثانيها: إنزال ما فيه الأنباء: {حِكْمَةٌ بالغة} ثالثها: هذه الساعة المقتربة والآية الدالة عليها حكمة الثالث: قرئ بالنصب فيكون حالاً وذو الحال ما في قوله: {مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ} أي جاءكم ذلك حكمة، فإن قيل: إن كان {مَا} موصولة تكون معرفة فيحسن كونه ذا الحال فأما إن كانت بمعنى جاءهم من الأنباء شيء فيه ازدجار يكون منكراً وتنكير ذي الحال قبيح نقول: كونه موصوفاً يحسن ذلك.
وقوله: {فَمَا تُغْنِ النذر} فيه وجهان:
أحدهما: أن {مَا} نافية، ومعناه أن النذر لم يبعثوا ليغنوا ويلجئوا قومهم إلى الحق، وإنما أرسلوا مبلغين وهو كقوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ حَفِيظاً} [الشورى: 48] ويؤيد هذا قوله تعالى: {فتولى عَنْهُمْ} [القمر: 6] أي ليس عليك ولا على الأنبياء الإغناء والإلجاء، فإذا بلغت فقد أتيت بما عليك من الحكمة البالغة التي أمرت بها بقوله تعالى: {ادع إلى سَبِيلِ رَبّكَ بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125] وتول إذا لم تقدر ثانيهما: {مَا} استفهامية، ومعنى الآيات حينئذ أنك أتيت بما عليك من الدعوى وإظهار الآية عليها وكذبوا فأنذرتهم بما جرى على المكذبين فلم يفدهم فهذه حكمة بالغة وما الذي تغني النذر غير هذا فلم يبق عليك شيء آخر.


{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (6)}
قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} قد ذكرنا أن المفسرين يقولون إلى قوله: {تَوَلَّ} منسوخ وليس كذلك، بل المراد منه لا تناظرهم بالكلام.
ثم قال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُو الداع إلى شَيء نُّكُرٍ} قد ذكرنا أيضاً أن من ينصح شخصاً ولا يؤثر فيه النصح يعرض عنه ويقول مع غيره: ما فيه نصح المعرض عنه، ويكون فيه قصد إرشاده أيضاً فقال بعدما قال: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُو الداع} {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} [المعارج: 43] للتخويف، والعامل في: {يَوْمٍ} هو ما بعده، وهو قوله: {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} والداعي معرف كالمنادي في قوله: {يَوْمَ يُنَادِ المناد} [ق: 41] لأنه معلوم قد أخبر عنه، فقيل: إن منادياً ينادي وداعياً يدعو وفي الداعي وجوه:
أحدها أنه إسرافيل.
وثانيها: أنه جبريل.
وثالثها: أنه ملك موكل بذلك والتعريف حينئذ لا يقطع حد العلمية، وإنما يكون ذلك كقولنا: جاء رجل فقال: الرجل، وقوله تعالى: {إلى شَيء نُّكُرٍ} أي منكر وهو يحتمل وجوهاً أحدها: إلى شيء نكر في يومنا هذا لأنهم أنكروه أي يوم يدعو الداعي إلى الشيء الذي أنكروه يخرجون ثانيها: نكر أي منكر يقول: ذلك القائل كان ينبغي أن لا يكون أي من شأنه أن لا يوجد يقال: فلان ينهى عن المنكر، وعلى هذا فهو عندهم كان ينبغي أن لا يقع لأنه يرديهم في الهاوية، فإن قيل: ما ذلك الشيء النكر؟ نقول: الحساب أو الجمع له أو النشر للجمع، وهذا أقرب، فإن قيل: النشر لا يكون منكراً فإنه إحياء ولأن الكافر من أين يعرف وقت النشر وما يجري عليه لينكره؟ نقول: يعرف ويعلم بدليل قوله تعالى عنهم: {ياويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52].

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8